مصطلح شركس أطلقه اليونانيون على مجموعة من شعوب القوقاز مثل: الأديغة والأبخاز والأوبيخ والشيشان والداغستان، أمّا هم فيسمون أنفسهم (أديغة)، ويسكنون أرض القوقاز بين البحر الأسود وبحر قزوين التي تتميز بسلسلة جبال ضخمة، ومناخ قاسي، وبيئة ذات طبيعة جبلية صعبة تربى وترعرع أهلها على تحمل المشاق والصعاب.
يتميز الشركسي بالمهارة والفروسية واللباس الأنيق، وبالروح المعنوية التي لا تنكسر ولا تنحني، ولا تموت هذه الروح التي جعلت البطل ريدادًا يضحي بنفسه لأجل شعبه، وهي التي جعلت فرسان الشركس في شمال القوقاز ينتفضون على إهانة خان القرم، ويبيدون الاحتلال التتري في معركة قنجال زاوة.
عانت تلك الشعوب من ويلات الحرب مع روسيا القيصرية لمدة 100 عام، واحتلت أراضيهم للاستفادة من طيباتها، وطردتهم منها، وأجبرتهم على الهجرة إلى مصر وسوريا والأردن والعراق بالاتفاق مع الدولة العثمانية، ومات الآلاف بسبب الجوع والمرض والعذاب والمعاناة.
ولا ينسى الشراكس يوم 21 مايو 1864، ويطلقون عليه يوم الحداد الشركسي حزنًا وتخليدًا لجميع ضحايا المجازر وحرب الإبادة الجماعية لهم على يد روسيا.
اندمج الشراكسة في المجتمعات التي هُجِّروا إليها اندماجًا كبيرًا، ولهم دور كبير في تاريخ هذه البلدان وبنائِها، إلّا أنّهم حافظوا على هويتهم العرقية الخاصة ولغتهم وعاداتهم القبائلية، وزيهم التقليدي وتراثهم الأصيل.
للشراكسة مقابر خاصة بهم ومراكز ثقافية تعلّمُ أبناءَهم اللغة الشركسية، ومساجد وبازارات وجمعيات خيرية ومدراس ومعاهد جميعها يكتب عليها لوحات بالأحرف الشركسية، ويرفع عليها العلم الشركسي.
عادةً يرتدي الرجال الشركس من كبار السن قبعةً صوفيةً دائريةً سوداء يسمى (القلبق)، وترتدي المرأة لباسًا يغطي كافة جسدها، ولديهم عَلَم خاص أخضر اللون ورسم عليه 3 رماح هي عدد الأسهم التي كان يحملها الفارس الشركسي أثناء السلم، وهي كناية عن السلم، و12 نجمةً ذهبيةً لترمز إلى عدد القبائل الشركسية.
تميل أشكالهم إلى الملامح الروسية فهم ذوي بشرة بيضاء اللون، وقد تجد نسبةً كبيرةً منهم بعيون ملونة وشعر أشقر، وغالبًا لا يتزوجون إلّا من بعضهم البعض.
يدين أغلبهم بالدين الإسلامي، وهناك من يدينون بالمسيحية، وقد دخل الإسلام إلى بلاد القوقاز في عهد الدولة العثمانية في القرن الثالث عشر، كما يتبعون“الأديغة خابزة” وهي الأنظمة والمبادئ الرئيسية والخطوط العريضة لمجموعة القوانين (غير المكتوبة)، والضوابط التي تنظّم قواعدهم الحياتية، فقد كان الشراكسة يرددون عبارة (لا يوجد شيء إلّا وله نظام وقانون) أي خابزة، أي أنّهم وضعوا قاعدةً لكل ما له علاقة بحياتهم التي لها خصوصية قدر ما استطاعوا وفق الزمان والمكان الذي كانوا يعيشونه، ومن الملاحظ عندهم أنّ “الأديغة خابزة” كانت ثابتةً تقريبًا لأزمان كثيرة، ويتمسكون بها بقوة، ويعملون على أنّها لا تتغير إلّا ببطء شديد وعلى مراحل متباعدة تاريخيًا.
يقدس الشركس ثلاثة أشياء: الأخلاق والقوة والوطن، فهم يقولون أنّ الإنسان منهم إن فقدَ أخلاقه فقَدَ قوته، وإن فقدَ قوته فقد وطنه. أخلاقهم كانت هي مصدر قوتهم منذ آلاف السنين أمام الغزاة والمستعمرين.
فن وقوانين من نتاج حضارة عريقة عمرها آلاف السنين ويحتل مكانًا مميزًا، فقد ابتدأ في الزمن الغابر رقصًا دينيًا يحاكي فيه الآلهة والأرباب، وانتقل إلى رقص استعراضي، واليوم نسمع عن فرق عالمية مثل: فرقة الكبردينكا، ونالمس، وإسلاميه، وقفقاس، وبجامييه، ونارت، الأبخازية، والمعمرين الأبخاز.
يتميز الرقص الشركسي بشكل واضح عن الرقص في بلاد المشرق الأخرى، ويشبه إلى حدٍ كبير الرقص الأوروبي، وأشهر الرقصات رقصة الوج ورقصة القافا ورقصة الششن. يرقص فيها الشاب مع الفتاة زوجيًا، وتعزف الموسيقى ويُحاط الموسيقيون باحترام عام، ويشترك فيها كلا الجنسين، أمّا بالنسبة للنساء فالفتيات فقط يشتركن بالرقص، أمّا المتزوجات والأرامل والمطلقات فلا يشتركن.
وللحفلات نظام خاص حيث تقف الفتيات صفًا واحدًا بجانب جدار بترتيب أكبرهنّ سنًا إلى اليمين، ويتوالين بعدها بشكل قوس ويفصلهن عن الرجال بعض الفتيات الصغيرات، ويكمل الرجال قوس الدائرة تاركين في الوسط حلبة رقص، وللفتيات عريفة تسمى حتياكوه تقوم بتقديم الفتيات للرقص واحدة تلو الأخرى، ولا تتجاوز عن واحدة إلّا إذا كانت لا تجيد الرقص (نادرًا)، وكان ذلك معروف عنها، ومن المسيء للحاضرين أن ترفض فتاة الرقص، وقد يحملون ذلك على محمل تكبّر منها أو تمنّع من الرقص مع أشخاص معينين، مما يجلب لها اللوم والتعنيف فيما بعد.
وللرجال أيضًا عريف يفعل المهمة ذاتها، ويعاونه فتيان آخرون يدورون على الموجودين بالماء ويحمّسونهم على التصفيق. تبدأ الحفلة عادةً بالعزف على الأكورديون الرتيب مع غناء الشباب، والعريف يرفع صوته باسم المطلوب للرقص طالبًا منه إظهار براعته ورشاقته ويحمّسه بقوله: (إن كنت شركسيًا فأظهر نفسك)، وتقف عريفة الفتيات بجانب الفتاة التي جاء دورها للرقص، فإذا تقدم الفتى أو الفتاة إلى الأمام تقف العريفة مكانها، ثم يبدأ الرقص فيرقصان معًا، وفي النهاية يقفان متواجهين، ويحني لها زميلها رأسه، ويتراجع بينما تتراجع هي أيضًا خافضةً الرأس دون أن يدير أحدهما ظهره للآخر، فيتراجعان مع بقاء الوجوه تجاه بعضها، ولا يعطي أحدهما ظهره للآخر إلّا في حالة الدوران، ولا يلامس الشاب مراقصته إلّا في رقصة (الوج)، ولا يتحدثان معًا أثناء الرقص.
كما تلعب الموسيقى والغناء دورًا رئيسيًا في تربية الأمة الشركسية، ففي كل أغنية تستثار الشجاعة والهمة للمحافظة على الشرف، ويولي الشراكسة اهتمامًا بالغًا بالموسيقى خصوصًا التي تعزف على الأكورديون، وهي عنيفة صاخبة تشكّل بالنسبة له أهم الفنون الجميلة التي يعنون بها في الحفلات الموسيقية والغنائية، وفي أفراح الولادة المتّصلة أيضًا بابتهالات العبادة ونشر التعاليم الدينية والأديغه خابزه، والفضيلة والتربية من خلال الأغاني التاريخية والاجتماعية، كما توجد أيضًا أغان للحرب وأغان للحب
أمّا الآلات الموسيقية التي يستخدمونها كثيرة أهمها: الأكورديون والكمان والبجمي وهو مزمار يستعمله الرعاة عادةً، والأبخيارستا التي ترافق المغنيين، كما لديهم القيثارة والناي والشيكابشنه، وهي الآلة التي تعزف على ذنب الخيل وهي آلة وترية، وهناك أداة تصدر صوت يشبه صوت حوافر الخيول أثناء الجري السريع.
للشركس أقوال مأثورة عديدة يحبون سردها في الحياة العادية تدل على النزعة النبيلة الحقيقية لهذه السلالة منها:
هنالك الكثير من الشخصيات التاريخية المعروفة عبر التاريخ شركسية، أو من أصول شركسية نذكر منها الملك الظاهر بيبرس، قلاوون، د/ محمد أوز، توركان شوراي، نفيسا كرتاي، حسين فهمي، نجلاء فتحي، رشدي أباظة، واليوم تنهض أسماء لامعة في سماء الأدب أمثال علي شوجينتسوك، وعليم كوشوقه، وباغرات شينكوبه، وإسحق مشباش، وكيراشه تمبوت، وغيرهم من الذين حازوا على جوائز عالمية في المسرح، والقصة، والشعر، ولقد نقلت كتاباتهم من اللغة الأم إلى لغات أخرى منها العربية